أربع نساء ولحية

  • Abdeljelil Maali

العرب - عبدالجليل معالي

رجل دين تونسي (من نتوءات ما بعد الثورة) طالب بخروج جماهيري للمطالبة بالسماح لرجال تونس باتخاذ أربع زوجات، كما يقول شرع الله. عادل العلمي (اسم يتضمن أولى مفارقات الموضوع) رئيس “جمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، قال إنه يتبنى مسألة تعدد الزوجات ويطالب بتقنينها صلب الدستور الجديد قيد الإنجاز في تونس، والهدف حسب تعبير الرجل “تنفيس” ظاهرة العنوسة المستفحلة في تونس.

بين المشكلة التي تفطّن لها صاحب المبادرة (إن ارتقت إلى مستوى التوصيف) وبين الحل الذي تفتقت عنه قريحته، تبدو الساحة السياسية التونسية محكومة بالسريالية أو لنقل بتحويل الصراع من المتن إلى الهامش.

المتن مفاده شعب ثار (أو أريد له أن يثور، أو قدّرت الأقدار له أن يثور في روايات قدرية أخرى) على منوال تنمية فشل في تأمين الشغل والخبز، وانتفض على سياسة عاقر سدت كل منافذ الحرية والحوار والديمقراطية لشعب تواق إليها منذ تاكفاريناس والكاهنة وعلي بن غذاهم وفرحات حشاد وصولا إلى بلعيد والبراهمي. لكن واقع الحال التونسي المخصوص يفرض دائما الهامش على متنه بأن يقدّم تعدد الزوجات مثلا على ضرورة إرساء مجتمع سوي متصالح مع هويته والحداثة، ويبجل الاحتفاء بشعار رابعة الأصفر على تذكّر شهداء إرهاب استوطن أحراش الشعانبي وخوّف البلاد والعباد، ويسبّق النقاب والحجاب على التعليم وحقوق الإنسان. والأمثلة شتى في تحويل ثورة آمنت بأن “السياسة فنّ الممكن” ومفاده أن التونسي مواطن أولا وأخيرا لا شيئا أو رعية، إلى شعار مجاور مخاتل خلاصته أن السياسة “فنّ التمكين” والشعار قد يرتقي تفاعلا مع الضرورة إلى السياسة فن التكمين” (إحالة إلى كمائن توضع للجنود والمواطنين والوطن).

دعوة عادل العلمي رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، شاهد على خيانة أمل التونسي بثورته، وقتلا لفرحه بإزاحة نظام استبد به وجثم على صدره منذ اتخذت الدولة التونسية شكلها الوطني. وفي اختصار الرجل وغيره شعارات الثورة كلها في مطلب تعدد الزوجات، تحويل لوجهة المجتمع من سعيه نحو مزيد الحقوق إلى نكوص وارتداد ماكرين. في الذاكرة قضية حق الطالبات في ارتداء النقاب وما أثارته من سجال هيمن على كل الفضاءات وأجّل النظر في ما ينفع الناس ويمكث في الأرض.

الدستور الذي تصاغ فصوله الأخيرة هذه الأيام (الفصول بالمعنيين القانوني والمسرحي)، شهدت مداولاته ضربا من إبعاد المتن وفرض الهامش، حيث يخاض صراع مرير بين معسكرين؛ الأول يدافع عن الوطن والإنسان، والثاني يريد استعادة ماضي البلاد القيرواني ويقدم الجماعة على الوطن والتكفير على التفكير.

تزامنت دعوة رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع احتفال التونسيين بالذكرى الثالثة للثورة، ومع تأهب لإعلان الحكومة الجديدة، وأيضا مع قرب الانتهاء من صيغة الدستور، وهذا التزامن أشّر بجلاء على حجم التباعد بين المضامين الحقيقية للثورة، وما طرأ من شعارات ومطالب وتظاهرات من قبيل التدافع الجماهيري الحاشد لاستقبال شعرة الرسول.

وفي دعوة عادل العلمي الراغبة في حل معضلة العنوسة (اقترح كذلك في مشروع حزبه الجديد الدعوة إلى الفصل بين الجنسين في المدارس ومنع التبني وإنشاء محاكم شرعية) تسطيح فجّ لأسباب ودواعي ظواهر اجتماعية مترابطة، سهر علماء السوسيولوجيا وعلم النفس على بحثها ودراستها وتمحيصها، فظواهر الفقر والبطالة وتأخر سنّ الزواج واستشراء المخدرات وتردي الفعل الثقافي وعزوف الشباب عن الفعل السياسي والمدني، كلها مسائل لا تحلّ بدعوات من قبيل ما نادى به عادل العلمي، بل يفترض أن يفكر فيها أصحاب الاختصاص تفكيرا علميا منطقيا يأخذ في الاعتبار أسبابها العميقة ويستشرف نتائجها. أما دعوة عادل العلمي فتختصر الإسلام بكل قيمه في أربع نساء ولحية.

كاتب صحفي تونسي

* نُشر في 18/01/2014، العدد: 9442، ص(8)

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Thème Magazine -  Hébergé par Overblog